ماتت الصغيرة ذات ال 8 سنوات رغم كل ما بذلته لأرعاها, فأنا جدتها وهي ابنة أبنى وهذه قصتها
تبدأ القصة عندما تزوج ابنى البكر , ومرت الأيام و لكن الأحوال اذدادت سوءاً , فما كان يستطيع ابنى كسبه فى يوم أصبح غير قادر على كسبه فى شهر , حتى انه اضطر الى السفر للعمل باحدى الدول العربية , ففى قرية ريفية بسيطة يسودها الفقر و العناء بالكاد يستطيع الانسان ان يوفر احتياجات بيت جديد , لم أبرح أن أفرح بعرسه حتى فارقنى سعياً وراء حياة أفضل له و لزوجته , وبعد عدة أعوام عاد ابنى بكل ما يحمله من آمال و سعادة , و لكن لم تكتمل فرحتى بعودته , حيث أنه بعد فترة وجيزة ظهرت عليه اعراضكثيرة جعلت العديد من الأطباء يحتارون فى امره , فدرجة حرارته دائماً مرتفعة وبدأت تظهر عليه علامات العياء و التعب , مجهد دائماً و وزنه فى نقصان , ما كان يعزى قلبي فىهذه الآونه هو أن زوجته بعد شهور قليلة ستصير أماً و ابنى البكر سيصير أباً , و أنا من بعد طول سنين عمرى المضنية ساصبح جدة
و لكن لم تاتى الأيام بما اشتهته نفسي فبعد قليل اشتد المرض على ابنى و تكتلت عليه أعراض أكثر , و فى احدى مستشفيات الحميات تم عمل تحليل له , وكانتالنتيجة هى اصابته بفيروس نقص المناعة البشرى او ما يعرفه الجميع بالايدز ولكنه فى مرحلة متأخرة جداً , انهك المرض كل قواه وخرّ صريعاً ما بين ليلة وضحاها . ليتنا كونا عرفنا قبل فوات الأوان , أو تم تشخيصه مبكراً لربما كانت الأمور صارت افضل !و لكن لن يجدى التمنى الآن , جاز سيف فراقه فى نفسي و لكن ما هدّا من ولعى و حزنى هو انى بعد قليل سأراه ثانية فى ابنه الذى ما زال جنيناً , فكان هذا هو الأمل الوحيد الذى عوضنى فراق ابنى
حزننا الشديد و جهلنا عن طرق انتقال الاصابة ألهتنا عن أن نقوم بتشخيص حالة زوجة ابنى , فما كونا ندرك أن الاصابة قد انتقلت اليها هى الأخرى , و ان أدركنا فقد أنسانا هول الصاعقة أن نقوم بعمل الفحص لها , فما هى الا ايام قليلة وتضع حملها , تشتت العقول ما بين انتظار المولود و التحضير له و بين الحزن الذى خيّم على البيت , و بالفعل وضعت زوجة ابنى ابنتها البكر و الوحيدة أيضاً , و لكن بعد الولادة اضحت الحمى لا تفارقها , ظننا أنها حمى النفاس, و لكن ليكتمل الحزن , لحقت زوجة ابنى هى الأخرى بابنى , وكأنها أبت أن تحيا من دونه , و أدركنا وقتها أنها هى الأخرى مصابة بفيروس نقص المناعة البشرى
ولدت حفيدتى وهى متعايشة مع فيروس نقص المناعة البشرى... لم تقترف أى ذنب ... هى مولودة بهذا الفيروس، فهى إبنة لوالدين متعايشين... منذ نعومة أظافرها وهى كل يوم في حال.... يوم بصحة جيدة، ويوم آخر تعانى من أعراض المرض ...مما جعلنى اخشي عليها حتى من لهوها مع الباقين من بنات عمها أو الجيران , لم تهنأ بطفولتها كأي فتاة أخرى , كانت غير الباقين في كل شىء, حيث رسمت آلام اليتم على وجنتيها علامات حزن عجزت الأيام عن محوها. ومع مرور الأيام زادت آلامها خاصة مع ظهور أعراض جديدة للمرض مما جعلها كورقة شجر وسط رياح عنيفة. كانت تحصل على العلاج،إلا أنه لضيق ذات اليد لم استطع توفير الغذاء لها, فكانت بالكاد تجد اللقيمات البسيطة , فلم يكن بوسعي فعل أكثر من هذا. فانا امرأة مسنة , لا أملك سوى معاش زهيد لا يسمن ولا يغنى من جوع . و من كان يعول الأسرة قد رحل عنا
أعترف أننى كنت خائفة من انكشاف أمر حفيدتى، ومن مواجهة معوقات تحيل إلحاقها بالمدرسة مثل باقي الأطفال.... كنت اخشى ان انكشف أمرها بالمدرسة يتم رفدها , مفاهيمى الخاطئة وجهلى بحقوقها جعلنى أحرمها من حقها فى التعليم كاى طفلة فى سنها لذلك اكتفيت بإرسالها للكتَاب المجاور كى تحفظ بعض آيات القرآن الكريم. ظلت حفيدتى تعانى من مشاكل كثيرة إما بسبب أعراض جانبية للعلاج أو سوء تغذية ... و لكن الالم الأكبر كان من شعورها بالوحدة و التميز عن باقى قرنائها ممن هم فى سنها , فكانت تفضل دائماً العزلة و الانطواء على ذاتها , ربما انكسارها من الداخل و يتمها و ما كانت تسمعه من الأخرين عن أنها مريضة كان له السبب فى تفضيلها أن تحيا داخل عالمها الخاص , فعالمنا الواقعى لا يروق لها و لا يستهويها , وكله تعب .
فها هى بداية عام دراسي جديد وهى ترى الكل يتسابقون للاستيقاظ مبكراً للذهاب الى المدرسة بجديد الثياب , أما هى فتظل فى البيت أو تكتفى فقط بالذهاب الى الكتّاب , و ان لم تسمح حالتها الصحية بالذهاب تبقى بالمنزل , و فى الأعياد تجد بنات عمها يتبادلون القبلات و الاموال من ابائهم أما هى فلا أب لها ولا أم , فقط أكتفى بأن اصطحبها معى الى المقابر لتزورهما وتقرأ لهما الفاتحة , شعورها بالتمييز و العزلة كثيراً ما كان يلاحقها. و ها هن من فى نفس سنها يلعبن و لكنها محرومة من هذه النعمة
آه .... لست أنسي تعابير وجهها وهى تلح علىّ بالسؤال كل مرة تتناول فيها العلاج – لماذا كل هذه الأدوية ؟ لماذا ينبغى أن اتناول هذا الدواء كل يوم ؟ لماذا أنا لست مثل باقى جيرانى و قريباتى؟ , تخشين علىّ اللهو مثلهم و هم لهم أب و أم و أنا بدون أب ولا أم ؟
كنت دائماً أجيبها أبيكى و أمك فى ذمة الله , فكانت تزيد علىّ السؤال , لماذا رحلوا ؟ وكانت اجابتى لأنهم كانوا يعانون من مرض , فكانت بديهياً تقول وأنا أيضاً سوف أرحل لأنى مريضة و اتناول علاج ؟؟ كان قلبي يُدمى من الأسي عليها وينفطر حزناً لأنى أعلم ما لم تعلمه هى . في المرحلة الأخيرة لم يأت العلاج بأى نتائج, وأخذت حالتها في التدهور . جميعنا كنا مكتوفي الأيدى , ولم يكن باليد حيلة
رحلت حفيدتى عن عالمنا بعد عناءٍ شديد ورحلة شاقة مع مرضٍ طالما أفتّ بدنها ...و شعور بالاختلاف عن الباقين و عزلة وانطواء أضنى روحها , لعلها وجدت الراحة عندما رقدتبجوار أبيها وأمها التي حرمت منهما طوال عمرها